يتكوّن الإنسان من عددٍ من الأجزاء التي تتكامل مع بعضها البعض كي يوجد على الصورة التي هو عليها، فهنالك العضلات والعظام والدماغ وغيرها، ولكي يبقى الإنسان سليماً فإنّه يحتاج إلى أن يُغذّي هذه الأجزاء جميعها وأن يقوم بالتمارين المختلفة التي تساعدها على النموّ بشكلٍ مستمر، فلكلٍّ من هذه الأعضاء غذاؤها الذي تحتاجه، وكذلك العقل أيضاً، فكما تحتاج العضلات إلى التمارين الرياضيّة حتى تنمو فإنّ العقل يحتاج إلى العلم حتى ينمو باستمرار.
العلمالعلم هو مفتاح تطوّر العقل والذي يعتبر الجزء الأهمّ في الإنسان والّذي يُميّزه عن سائر المخلوقات الأخرى في الكون أجمع؛ فبالعلم وتطور العقل تُبنى الحضارات وترتفع أممٌ وتوضع أخرى، وبالعلم يعلو الإنسان في الدنيا والآخرة، وقد كان العلم من الأهميّة بمكان حتى في الديانات جميعها، فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم:"طلب العلم فريضةٌ على كلّ مسلم"، وهذا الله تعالى يقول في القرآن الكريم:" قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ".
ونستطيع إذا قمنا بدراسة التاريخ وملاحظة تطوّر الأمم والحضارات أن نلاحظ أنّ ارتقاء الأمم كان بسبب العلم بشكلٍ رئيسي، فلا القورة ولا المال يجلبون لها ذلك، بينما يكون انحطاطها بسبب انحطاط قيمة العلماء في المجتمع، وهو ما يتّبعه العديد من الأمور كانحطاط الأخلاق وغيرها، فلو اتّبع الناس العلماء وأعطوهم مكانتهم في المجتمع لما انحطّت أخلاقهم، ولكنّه ما يحصل حينما يتبع الناس المال أو السلطة أو القوة وينسون العلم أو حتى اتّباع العلماء المزيفين الّذين يوهمون الناس بعلمهم، ويقرّبون الناس إليهم باسم الدين أو غيره من المسميات ولكنهم وفي الواقع لا يقودون الناس إلّا إلى الهاوية.
نستطيع أن نرى تطوّر الحضارة اليونانية والتي دام عزّها مئات السنين والتي بقيت حضارتها إلى وقتنا الحالي بسبب العلم، بينما نرى ما عرف عبر التاريخ بالعصور المظلمة في أوروبا والتي انحدرت فيها أوروبا إلى الهاوية نتيجة اتّباع الكنيسة ونفيهم للعلم من حياتهم بشكلٍ تام وهو ما يقابله التطوّر الهائل الذي تشهده أوروبا في العصر الحالي؛ بحيث فاقت في تطوّرها الأمم جميعها من شتّى النواحي بسبب تطور العلم فيها، وهو ما حصل بعد عصر التنوير الذي حرّرها من الجهل.
على الإنسان أن يتيقّن على الدوام وخاصةً في أيامنا الحالية بأنّه لا يوجد من هو أعلم من أهل الأرض جميعاً، فمع التطور الذي نشهده في الوقت الحالي أصبح من الاستحالة أن يلمّ شخصٌ واحدٌ بجميع تفاصيل العلوم بأدق تفاصيلها وأن يكون أعلم الناس بها، وحتى في العلم الواحد نجد العديد من المجالات المختلفة التي تجعل شخصين ممّن يمتلكون نفس الدرجة في نفس العلم لا يعلمون العلم نفسه، ولهذا فإنّ الشخص يطلب العلم على الدوام منذ بدلية حياته حتى مماته، وبما أنّ الإنسان مخلوقٌ دائم التعلّم ولا يصل إلى الكمال في العلم، فإنّه من الواجب عليه أن يتبع الأصول والآداب عند طلبه للعلم.
أهميّة العلمكلّما ازداد علم الشخص ازدادت أخلاقه رفعةً وسمواً، فلا فائدة من علمٍ لا يُنمّي العقل من دون أن يُهذّب النفس، فهذا ما يؤدّي إلى دمار المجتمعات، وهو للأسف ما نلاحظه على كثيرٍ من المتعلّمين في مجتمعاتنا فنجد أنفسهم تزداد كبراً بازدياد علمهم، فهذا القرآن الكريم يروي قصّة سيدنا موسى مع الخضر حين ظنّ موسى أنّه أعلم أهل الأرض، ويروي كيفيّة اتّباع موسى عليه السلام للخضر وكيفية تعامله معه بأدبٍ واحترام، فمن طلب العلم احترم العلماء وأجلّهم وقدرهم، ومن طلب العلم لم يتكبّر أو يتجبّر، ومن طلب العلم أفاد الناس بعلمه، ومن طلب علماً معيّناً حتى ولو كان هذا العلم هو علم الدين لم يحطّ من قدر العلوم الأخرى، فحتى الدين لا يمكنه أن يكتمل من دون العلوم الأخرى، ومن شكك في هذا فليتفكر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وليفكر فيما إذا كان علم الدين سيصلنا لو لم يكن الرسول والصحابة على درايةٍ بالعلوم الأخرى كالطب وعلوم الحرب وغيرها.
المقالات المتعلقة ببحث عن طلب العلم